الجمعة، 26 أغسطس 2016

استيقظت من الحلم


في تلك اللحظة التي استيقظت من الحلم الذي لا أعلم كم دام وأنا في سبات عميق، كالذي لا يتذكر ما حدث بالأمس، أو كشخص أصابه فقدان في الذاكرة، فلم يعد يذكر اسمه. عندما استيقظت وأدركت أنني أصبحت حقيقة، وأنني أستطيع أن أمشي وأتحرك، ككائن حيّ. عندما علمت، أنني أستطيع لمس أصابعي، وأتأكد من ملامح وجهي، أنها لم تتغيّر، وأرى لطول شعري أنه لازال كما هو، وإلى الوسادة التي أتوسدها يومياً لم يظهر على وجهها آثار هبوب رياح، وإلى أرضية الغرفة ذات اللون البُنّي الغامق -كلون جذع الشجر بعد هطول المطر- أنه لم يزل باقي ولم يتكسّر . تأكدت من موضع كتبي على المكتبة، ومن وجود ملابسي على خزانتي، ومن وجود جميع علامات الصباح كإشراقة الشمس، ظلال الشجر، زقزقة العصافير. تأكدت من اسمي على بطاقتي الشخصية، وإلى تاريخ انتهاء صلاحية البطاقة. لم يكن اسمي ساڤانا كما في الحلم. حاولت أن استيقظ من تأثير الحلم،  ولكن ظلّت تلك الصورة التي من النادر حدوثها مع البشر. لم أفهم ما يحدث لي في ذلك الحين، ولما كل هذه الأحاسيس تُتابعني، ظننت أنني في غابة لا يعرفها أحداً غيري، وأن جميع المناظر التي كانت من نافذة غرفتي لم تعد كما هي، بل تغيّرت ،وأن السرير الذي نمت عليه لم يكن مريح كالقطن. شعرت كأنني تائهة في أحد المدن المزدحمة،  فليس بإمكاني الطلب الماريين سؤالاً. أسأله عن التغيير الذي حدث لي، لعله يدلني على من يعرف كيف جئت إلى هنا. من الغريب، أن تسأل شخصاً غريباً عن نفسك، أو أن يعرّف لك هويتك. 

الخميس، 18 أغسطس 2016

رسالة من أمي..



ابنتي رحمة ،


أتعلمين، حين يسقط المطر على خديّك، وتتبلل ملابسك، ويرقص قلبك، كأن بداخله مسرح فنّي، وتتفتّح عيناك للحياة، وتتنوّر بشرتك، كأن الشمس غيّرت مكانها واتخذت وجهك مكاناً للشروق والغروب، وحين تزدادين جمالاً فوق ما أنتِ عليه. إنك تشبهين الغيمة حين تحتضنيني، وتقبلّين قدمي ورأسي ويداي. إنك تشبهين النحلة حين تقبلّ الزهرة. 



أتعلمين يا صغيرتي، بعدد القطرات التي سقطت على جسدكِ، كنت أخاف من أن تُسبب لك الزكام، أو الحُمى. كنت أخاف من أن تجعلك مُتعبة، وغير قادرة  على الحركة بالشكل الطبيعي.



أتعلمين يا عمر أيامي، أنا لا أتحمل إن لم تتناولي وجباتك الرئيسية يومياً. أخاف أن تتعبي ولا تستطيعي من إكمال باقي يومك. أكون مُتعبة من الداخل، وأحزن. 



أتعلمين يا زهرتِي، حين تمرضين، لا أستطيع النوم، أسهر معك، كأني أنا الألم الذي تعانين منه. وأتمنى وقتها، أن الألم الذي فيك يتحول إلى جسدي، فاستحب أن أصبر على أنك تصبرين على ألم لا يستطيع جسدك على تحمله، فتبكي عيناك منه. فلا أريد أن تحط عليك ذبابة، ولا أن تؤذيك أياً من الكائنات. 



ابنتي، أنا لا أزال أشعر بأنك داخل بطني، تكبرين هناك، وتعيشين في أمان داخلي، فلا يستطيع أحداً أن يسبب لك الأذى لقلبك، أو حتى يتركك،كأنك نقطة على آخر السطر.



ابنتي، العالم مليٌء بالمفاجآت. قد لا يطيب لك بعضاً منها، وقد يطيب لكي النصف الآخر. وقد تفاجئك الحياة بما لم تتصوريه، كوفاة أخيك-رحمه الله-مثلاً.



ابنتي، دعائي لكِ  ولأبيك ولإخوتك، أقدمه قبل دعائي لنفسي، أُقدمكم قبلي، لأنكم أغلى وأثمن هدية على الإطلاق. أنتم أفضل ما حدث لي في عُمري. 


رعاك الله يا من كنتِ بداخل أحشائي ولا زلتِ.

الخميس، 4 أغسطس 2016

لقاءات مقترحة




قابلني في المكان الذي يقودنا لمعرفة التعايش بين الناس، وأساليبهم في العيش ، وفي الطرق والأسواق القديمة. .قابلني في المكان الذي يقودنا للطبيعة، للتأمل، لمعرفة الله من خلال ما صنع.  
قابلني في المكان الذي يقودك عقلك به. قابلني عند أعلى صخرة قريبة من البحر، كي نتنفس هواء البحر، كما لو أنه الحُب الذي بيننا. 
قابلني عندما أقرأ كتاب، في ذاك المقهى الذي يصنع أفضل قهوة مُرّة، أو قريبة من المرارة. 
قابلني عند شجرة ممتدة الجذور، كبيرة وقديمة، فجذورها تشبه الرابطة التي بيني وبينك، فهي متأصلة من تحت الأرض. 
قابلني حين يتصل قلبك بقلبي، فتراني في السماء عالياً، مثل السحب تماماً، أو ربما أنا السحب. قابلني عند الغابة، بجانب النهر والشجر،أو عند إعدادك للشاي بالقرب من الغابة.
 قابلني عند الشلال العالي، وعند أحاول التقاط صورة مُرضية لي. قابلني في المكان الذي يحبه قلبك، وقلبي معاً، عند البحر قبل الشروق وبعده، أو عند الغروب من الجهة الأخرى. 

قابلني عندما أكتب، وأنا استمع لموشحات قديمة، فتأتي إليَّ كأول مرّة تراني فيها.

 قابلني وسط الزحام، واجعل من البعيد قريب، كأمنيتي بأن أمسك السحب وأشعر بأنها حلوى وأتناولها. 

قابلني حين يرشدك قلبك بأنك مستعد للقاء،ولحفاوة الرؤية الأولى ،بمثل ما ينتظر الطفل نزول المطر -بظِل وجود الغيم- فيظل يدعو حتى ينزل، وقد يبكي من الفرح. قابلني حين يدركُكَ الحِس بأنك محتاج لمقابلتي، وأن كِلانا نحتاج لذلك... أو مُرَّني في الحلم.